الثلاثاء، 20 ديسمبر 2011

روائح الطفولة الخالدة

يومية الوقت البحرينية (يوم السبت 06/09/2008) 
''فتحت المدارس أبوابها..'' أول جملة أقرؤوها في مدرسة عين الشيح عند سي الحسين الذي صار إماما فيما بعد، جملة أهلتني لأن أنتقل من الصف الأول إلى الصف الثاني، لأنهم كانوا بحاجة للصف الثاني، فاختاروه ممن يفقهون قليلا في القراءة والكتابة.. وهكذا أفادتني الكتب المدرسية التي كانت في خزانة والدي المعلم دحمان، والتي ابتدأت في تمزيقها وأنا ابن أربع وفي تهجي حروفها وأنا ابن خمس.. لكن الكتب المدرسية علمتني أيضا أن لا أعتمد عليها في متونها بل في هوامشها، إذ رغم ذلك الحرص على اللغة العربية في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، إلا أن المناهج لم تستطع أن تزرع فينا ذلك الحنين، وأن تصيبنا بلوثة ما، تكون علامة علينا، ورائحة لنا..

كنا نقرأ في الكتاب المدرسي، لأنه يجب أن نفعل ذلك، لا لأننا كنا نحب ذلك، وفي مقابل ذلك كنت أجدني مشدودا إلى كتاب حنا الفاخوري ''تاريخ الأدب العربي'' منذ نعومة أظفاري، أقرأ فيه وأقلبه، وقد كان من بين بضعة كتب لا تتجاوز العشرة كانت هي مكتبة والدي وصارت فيما بعد النواة لمكتبتي.. وإلى جانبه كان كتاب ''قطر الندى وبل الصدى'' و''أحمد أمين'' للدكتور حمدي السكوت..

وقد أشرت إلى أن هذه الفترة التي عرفت بداياتي في التمدرس كانت فترة حرص على العربية وكانت سياسة الدولة تضع في أولوياتها تعريب المناهج وتلقين العربية على أسس صحيحة، ورغم من ذلك لم تفدنا كتب النصوص فائدة كبيرة، وربما هي التي دفعتنا إلى البحث عن كتب أخرى، ربما متونها كانت بحاجة إلى حواشي، وربما كنا نحن من هواة الهامش لا من هواة المتن.. لكن ما أزال أذكر منها بعض البقع المضيئة وخاصة قصة ''القط بسبس الذي نزل ضيفا عند صديقه القط مشمش'' و''مريض الوهم'' وقصيدة ''يا معهدا تحية'' وقصيدة ''غنيم'' و''أطيب ساع الحياة لدي''.. و''ركن بيتي حديد.. سقف بيتي حجر''..

ما تزال بقع ضوء ربما هي النبراس الذي قادنا فيما بعد إلى نهج القراءة الأدبية ثم الكتابة فيما بعد، وما يزال بئر الطفولة يحوي أسرارا عدة، وهي اللحظات الجميلة تدلي دلوها بين الحين والآخر فنقول يا بشرانا هذا نص..

ربما المناهج قد أفادتنا في القواعد النحوية والصرفية، وقد كانت ممتازة في هذا الجانب تحت إشراف الأستاذ عبدالرحمن شيبان وهوالآن رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ومن تأليف أساتذة جزائريين وعرب أذكر منهم اسمين لم تمحهما السنون ''محمد صفوت مرسي'' وفهيم موسى أبوحجازي ''.. لكن النصوص لم تعلمنا مباشرة، بل زرعت فينا شيئا ما، وأكدت فينا حاجتنا لرائحة ما.. هذه الرائحة هي التي دفعتنا للبحث عن كتب تشبع حاسة شمنا أولا.. هذه الرائحة هي التي قادتنا لطه حسين في ''أيامه'' والعقاد في ''عبقرياته'' ثم نجيب محفوظ ويوسف إدريس بل وقادتني أيضا إلى نسخ ديوان ''من وحي المرأة'' لعبدالرحمن صدقي كاملا على كراسة ما زلت أشم رائحتها بين الحين والآخر..

الخميس، 15 ديسمبر 2011

إيحاءات أغوتا

كخمسيني كهل، أتأمل مشيتي وأنا مثقل الخطى، كالمترنح أجوب شارعا خاليا من المارة، لأخلو إلى تفكير عميق، فيما أتأبطه الآن من كتب، أحدث نفسي بفرح مباغت، ها قد صارت رواية (أغوتا كريستوف)، ملتصقة بجسدي كأنها جزء منه، هي الآن تنزوي داخل رسالة باريسية مستعجلة، أرسلتها لي (بونيي) التشكيلية المميزة، والروائية أيضا، بروايتها الوحيدة التي لم أفلح لحد الآن في ترجمة عنوانها، ها هي (أغوتا) تدغدغ إبطي بورق سميك، يحمل رائحة برودة ديسمبر، وعطن السمك الباريسي في الأسواق المستعجلة، الأسواق التي لا تبيعك هذه الأيام غير شجرة السنوبر.. ها هي الرواية، فهل ستكفيني قراءة واحدة، لأعاود بعث (أغوتا)، في نفسي كما كانت منذ سبع سنين مضت، عنوانا لحب دافئ، مر على سهو مني، وعلى غفلة من المدرسة الهامشية، وسط صخب الأطفال، ولعبة الغميضة..

ها هي (أغوتا) التي تعجبها جدا رواية (كارتز)، ولا تحب (روسو)، وتقلع ضرسها عند طيبب الأسنان بلا مخدر..

فهل ستحملني (الكراسة الكبرى) إلى ما حملتني إليه (أمس).. ام انها ستكون رقما آخر، أضعه بملل، وتثاقل، إلى جانب الأرقام التي أنهكني بها الصيف الماضي، تكديس لكتب لا معنى لها، سوى أنها تساهم في تضييق الغرفة أكثر..

الأربعاء، 7 ديسمبر 2011

الشاعر اللبناني لامع الحر يكتب عن (اثاث من رائحتها) في اسبوعية الشراع اللبنانية


(أثاث من رائحتها) لـ:عبد القادر حميدة

رؤى تُـسـطّـر جمالية لافتة
الشاعر: لآمع الحر/ اسبوعية الشراع/ لبنان/ العدد 92.
يجيء الشعر من الجزائر حاملاً عطره المضمخ برائحة الارض، وجارحاً كما الاريج يشق شفة النسيم، ويعطيه من الضوء ما يجعله اكثر رقة وشفافية.يجيء الشعر طازجاً كورق الخريف الذي يأبى ان يتغلغل فيه اصفرار، ويأبى ان يدنسه ذلك الذبول المريب.يجيء الشعر حاملاً نبضه على كفه، يتوهج مزداناً برائحة الارض التي تتبختر بما أنجزت، وتتباهى بفيض نورها الذي عم انحاء الكرة.وضمن هذا السياق يأتي عبدالقادر حميدة الى ساح الشعر عبر ((أثاث من رائحتها)) مدوزناً على ايقاعات جمالية، تستلهم اللغة الصوفية، وتستغرق في تجلياتها، لتعطي النص ما يستحق من اشراقات.يكتب مختزناً ثقافة عربية تراثية وثقافة غربية، وكأن الثقافة هي الخلفية الوحيدة التي يعتمد عليها في كتابة الشعر.لم أقرأ قبلاً نصوصاً شعرية تحمل هذا القدر الهائل من اسماء المبدعين الذين ينتمون الى الشرق او الى الغرب، والتي تأتي في مكانها الطبيعي، دون ان يشعر القارىء ان هناك اقحاماً لهذا الاسم او لذاك، او ان هناك تكلفاً يحد من عفوية النص وتلقائيته. كقوله ((من اخفى عني شاهد قبر امرىء القيس)) و((تشرب نخبها وهي تتحدث عن كونديرا)) و((تذكرني شفتاها بأن الخريف يقف شبحاً ضخم الجثة/ تتألم لموت معين بسيسو)) و((لا تنسى لدى انصرافها استعارة أنا احيا)) وهي رواية للكاتبة اللبنانية المعروفة ليلى بعلبكي، وسلي عنترة، وسلام على سحر ماركيز، وغارق في الرمل يقبل بورخين.لا شك في ان الشاعر يستخدم ثقافته لإغناء النص الشعري، لكن المبالغة في تجيير الثقافة لصالح القصيدة، قد يفقدها حيويتها وطاقتها الايحائية، وجوهرها الاساسي، فيستغرق القارىء في تفاصيل، تبقى مهما كانت مهمة على هامش العمل الابداعي.تهيمن على الديوان نزعة صوفية مشرقة، تطلقه من عقاله ليرتفع الى حيث يريد، الى حيث الذات الالهية التي يشتاق اليها كل من وصل الى حد من الايمان يؤهله لهذا التوق الجميل، وكأن هذه النزعة قد أطلقت الشاعر الى الآفاق القصوى المرئية منها وغير المرئية ((يا هذا/ اشرع نافذة الروح الكبرى/ ولا تخشى الماء)).والصوفي في حالة شوق دائمة الى الخالق، يتوق اليه باعتباره الحبيب المرتجى الذي ليس مثله وليس بعده حبيب. ويطمئن الى نبضات قلبه التي تمكنه من الاتصال مع من يريد، ومع من يحب، دون ادنى معاناة او دون ادنى جهد، وخصوصاً اذا أضرم النار في ثنايا خلوته متفرغاً للباري، تفرغاً كلياً ومنصرفاً اليه بكل احاسيسه وافكاره ((يا هذا/ اذا دخلت خلوتك: فاضرم نار الشوق/ واجعل قلبك الهاتف)).والصوفي يدرك اكثر من سواه ان الحياة ليست هنا، ليست على هذه الارض الفانية، بل الحياة تكمن هناك، حيث النور الالهي يغطي الكون، ليملأه ألقاً وجمالاً، واذا ادركنا ان الحياة التي نريد وان السعادة المرتجاة تكمن ما بعد الغيب، لتغير سلوكنا، وعملنا ما بوسعنا من اجل الوصول بأمان الى ربوع الدار المشتهاة في العالم الآخر ((يا هذا/ ماذا تفعل هنا/ وكل ما تريده هناك)).يكرر الشاعر حميدة في مطلع القصيدة ((وأملأ روحي)) بنص جديد عبارة ((يا هذا)) كما يكررها في مطلع كل مقطع، لكنه يشير في البداية بأنها ((مستقاة من ابي حيان التوحيدي في الاشارات الالهية، وهذا شيء ايجابي، يدلل على الامانة المطلقة التي يتمتع بها الشاعر.وبما انه مبدع لم يأت من فراغ لذا لا يجد حرجاً حين يعترف بأنه استقى عبارة ((تطهر بماء الغيب)) من الشيخ محيي الدين ابن عربي الذي يقول ((تطهر بماء الغيب ان كنت ذا سر))انها صوفية تقول بالحلول، تتجلى كما تشاء، وتنغمس في فيض ايمانها كما تشاء، وتستلهم من نار روحانياتها النسغ الذي تشاء، وتذوب في دقات القلب الذي يعطره نفح ايماني كثيف، فيكتسب ما يكتسب من الرؤى، ويفيض تألقاً وجمالاً فيصبح الصوت حيناً جسداً، ويصبح حيناً آخر الجسد صوتاً، انه الحلول في ارقى تجلياته وأجملها ((يا هذا/ صوتك حين التجلي/ يصير جسداً/ وجسدك يصير صوتاً/ يجوب انحاء غرفة زرقاء)).يرى محمود درويش في جداريته بأن اسمه ليس له بعد ان يرحل عن هذا العالم، ليصبح ملك الآخر، اي من هو على قيد الحياة، اما الشاعر حميدة فيرى عكس ذلك تماماً، معتبراً ان المرء لا يبقى منه بعد الرحيل الاّ الاسم الذي يحفر حفراً على رخامة القبر ((على صفحة الماء اغنية لا تقول/ على حجر نحفر اسماءنا/ ثم نمضي)).لا ينصاع الشاعر للحزن، لا يمتثل له، بل يحاول ما في وسعه ان يتجاوزه، ان ينتصر عليه، ان يحقق ذاته، وان يعيش الحياة التي يريد بعيداً عن كل ما يعكر صفوها وأمنها وكأنه مسكون بروح التفاؤل، متحفز له، وعامل على اكتسابه مهما يكن الحدث صعباً، ولهذا يدير وجهه، كي لا يرى ما يزعجه او ما يحزنه، سعياً الى لحظة الفرح التي لا تفـوّت ((أشحت بوجهي/ عن صورة القبر/ خلفها/ وقـبّـلتها)).هناك من ينتظر الحزن الشديد، ليكتب، على اعتبار ان الحزن لدى ابناء العروبة هو المادة الاولى للشعر، وهذا يعني انه لا مكان للفرح في الكتابة الشعرية، وكأنه لا يحرك في النفس شيئاً، ولا يدفع الشاعر الى الكتابة، ولا يحفزه، ولا يحرضه. اما الشاعر حميدة فيرى ان الفرح هو مفتاح الشعر، وكيف اذا كان من يبتسم هو الاحب والاجمل ((تبتسم/ فأسعى الى اقصى/ القصيدة)).يكتب بهدوء بالغ، كمن يفكر ويتأمل كثيراً قبل ان يمسك القلم، لا يترك العنان لفيض شاعره، بل يحدث ويرى لتكون للصورة الشعرية تلك المكانة وذاك التمييز. ومن الصور اللافتة نقتطف: ((وعطر التراب تقبله الريح حيناً/ وحيناً تضمخه الذكريات)) و((قيل لي: الدار خاوية/ لكنني رأيت ظلي في الجهة المعاكسة/ يبحلق في ضوئها)) و((رأيتهم يهدمون المدرسة/ هذا الصباح/ لم اصدق/ لكنني انتبهت للعشب/ تحت الجدار)) و((سأظل ابحث في السكون/ عن بسمة صلبت على مرأى العيون/ والخوف يخشى ان يرى)) و((ينبعث النور/ من غرفة واحدة في العالم/ انا اعرفها)) و((الصيف شيخ طاعن في السن/ فزاعة للذي/ لا يجيء)) و((سلي قلبي عني/ سلي عنترة/ فإني تركت القصائد في كمه/ ومن غمده سالت المحبرة)) و((تأتي القصائد/ لتحيي التراب الذي منه صارت/ لنا مقبرة)) و((على هامشي سيرة لم يروها/ وفي أقحوان كلامي/ كلام جديد)).نحن شعب ينتظر كل شيء، ينتظر التغيير، وينتظر ان تهبط عليه من السماء الهدايا والهبات، وان يحقق له الباري كل ما يصبو اليه، اما هو فقاعد ينتظر، لا يحرك ساكناً، لا يدفع الامور في هذا الاتجاه او في ذاك، بل ينتظر ما سوف يأتي من الآخر، مسلماً بهذا القدر، وكأنه ليس هناك ادنى امكانية لتغييره، وان كانت هذه هي حال الامة فهي حال قريته ايضاً ((تقوم قريتي على حافة/ الانتظار)).والشاعر حميدة يحب بيروت ككثيرين من الشعراء العرب، الذين يراودهم حلم زيارتها، للتعرف اليها، وللانغماس في تفاصيلها، والاطلاع على لغتها الاستثنائية، والاستفادة من ذلك الوقت الذي لا يتكرر ((وفي بيروت لي لغة تراودني فأنكرها/ وأشعل غيب أسئلتي/ تراودني فأنكرها/ أراودها فتنكرني/ تعلّمني نظام الوقت/ وفي لبنان أوردتي)).والشاعر عاشق من طراز خاص. عاشق منذ ان كان الأزل وربما يظل أسير هذا الشعور حتى الأبد المرتجى.هذا ولا يستوي شاعر حقيقي، ان لم ينغمس من قمة رأسه إلى أخمص القدمين في موازين الحب، وفي مطباته المختلفة فالمرء الذي تتدفق مشاعره عشقاً كما هي حال الشاعر، لا يستقيم وضعه إلا بالاستجابة لما يتطلبه هذا الاحساس العميق من استغراق في بحر من القبل، وان ترافق ذلك مع دمعة تضيء كما الشموع رحاب الأزل، الذي انطلق منه، ليكتب ما شاء له الله من قصائد تنهل من بحر الحب الذي أضحى بحر الحياة الأجمل. يقول: ((هل أنا ثورة من قبل/ هل أنا خافق منتحل/ هل أنا حجر شقّه موعد/ فاستهل/ هل أنا دمعة في شموع الأزل هل أنا عاشق لم أزل/ يا الذي في دمي هزّني/ واعتزل/ إنني موغل في الغزل/ انني عاشق لم أزل)).يطرح اشكالية الغياب ببساطة فائضة، لا تفضي إلى رؤيا عميقة أو إلى نبض جياش، بل عبر تساؤل شديد الواقعية. لكنه في الوقت نفسه ينحو منحى ساخراً، أو منحى يحمل في طياته شيئاً من العبثية، أو شيئاً من الضياع الظاهري الذي لا يدلل على فكرة عميقة أو على رؤية جميلة كأن يسأل عن علاقة الغياب باللون ((تغيب/ فأدنو من بابها البني/ وأسأل: هل للموت علاقة بالغياب)).يكتب الشاعر، على عكس كثيرين قصيدة التفعيلة إلى جانب قصيدة النثر، وهذا شيء جيد وجميل. ذلك انه يركز على العامل الموسيقي، وعلى الايقاعات الداخلية التي تمنح النص جمالية خاصة، مشحونة بنبض فني، يُضفي على النص ذلك الرونق المطلوب.لكن الاعتماد على التفعيلة شيء والخروج على نظام التفعيلة شيء آخر. ولست أدري إذا كان خروجاً متعمداً، مقصوداً لذاته. أو انه خروج عفوي يعني ضمن ما يعني انه خطأ عروضي. يفترض العمل على تصويبه بدلاً من تكريسه. يقولا مثلاً: ((المكان الذي قد مضى يجرّ الثياب)). يعتمد في هذه القصيدة على تفعيلة ((فعولن)). لكنه عندما يصل إلى ((مضى يجرّ الثياب)) تأتي التفعيلة الأولى ((مضى)) ناقصة متحركاً وساكناً. وهو لو دقق في هذا الخطأ لأمكنه التصويب، لأن المسألة سهلة وبسيطة.ويقول في مكان آخر ((وجلفة نامت على مائها/ فماً مالحاً.. يقبّل كاس السياط)) كذلك يعتمد في هذا النص على تفعيلة ((فعولن)) فعندما يقول ((مالحاً.. يقبّل..)) تأتي هنا لحاً ((فعو)) وهذا يعني أيضاً ان هذه التفعيلة ناقصة حركة وسكوناً.هذا الكلام لا يعني ان الشاعر غير متمكن من اللعبة العروضية. بل هي هنات يمكن أن يقع فيها كثيرون، إذا لم يراجعوا نصوصهم مراجعة دقيقة ومتأنية.لكنه في قصيدة أخرى نلاحظ ميله الشديد إلى العنصر الموسيقي الذي يهيمن على النص، ويعطيه جمالية مضافة إلى جماليته، وهذا يعني ان الشاعر على الرغم من ميله إلى قصيدة النثر إلا انه ما يزال ميالاً إلى القصيدة المفعلة، وإلى إيقاعاتها الداخلية، والخارجية، وإلى موسيقاها التي تنحفر في الوجدان، وكأنها قطعة ماس معتّقة، يقول: ((هروله/ ينادي المغني على السنبلة/ ورأس تقبّله المقصلة/ هروله.. هروله/ لمن سنغني غداً هرولة/ لمن ستغني الرؤى المقبلة)).يكتب حميدة الشعر متكئاً على التراث حيناً، بكل ما يحمل من أصالة، ومن قدرة على التجاوز، ومتكئاً حيناً آخر على معرفة عميقة بالنتاج الغربي. بكل ما يكتنـز من أفكار ورؤى حداثوية تتناسب والمعطيات المعاصرة التي نعيشها.((أثاث من رائحتها)) ديوان يأتي من الجزائر حاملاً عبق الحياة، وضوء الثقافة، ونفح الرؤى التي تسطّر مواقف جمالية تستحق التوقف والانتباه.عبد القادر حميدة شاعر متمكن، يغرف ما يتناسب مع رؤاه الابداعية، ويستضيء بمختلف العطاءات ليحقق التجاوز الذي يليق بالحداثة التي يريد.
لامع الحر

صدور مجموعتي الشعرية (اثاث من رائحتها)



صدرت شهر أكتوبر الماضي مجموعتي الشعرية الأولى (أثاث من رائحتها) عن دار النهضة العربية في بيروت