الثلاثاء، 22 أبريل 2014

كان يطيل عمره بالحكايات



إنه الحزن يا سيدي ذلك الذي غشاني ليلة قرأت نبأ نقلك للمستشفى في حالة غيبوبة، احترت من أمري يا (غابو) وفكرت في شفاء لحزني، بحثت داخلي فلم أجد بلسما غير الرجوع لرواياتك التي بحوزتي فأعيد قراءتها، كنت كأنني أرثيك بطريقة من يتشبث بك، كنت ترفع الكِتابة في وجه البياض، وتطيل عمرك بالحكايات، كما كانت تفعل جدة الرواية (شهرزاد)، لكنني اليوم لم أستطع إكمال قراءة رواية (حكاية موت معلن) فتركت سنتياغو نصار يواجه مصيره، ومضيت إلى عين جفت مآقيها من الأحزان المتتالية أبحث داخلها عن بقايا دمعة أذرفها على رحيل جاء يأخذك هناك.. أنت الذي قلت (لو أن لي قليلا من الوقت لكنت كتبت بعضا مني على الجليد وانتظرت شروق الشمس) عبارة أخذتها منك وزينت بها ممر مجموعتي القصصية (رغبة صغيرة)، فبعد العتبات تأتي الممرات، وتأتي الشمس التي تذيب الجليد، وها قد خرجت يا سيدي للنهار، فاكتب ما شئت منك على الجليد، ونم هانئا تحت شمس، ستظل مشرقة ما دامت رواياتك تصنع البهجة والمتعة في نفوس الناس، في مختلف نواحي الأرض..
هل لي أن أعترف أنني تلمست روعتك بعيدا عن (مائة عام من العزلة)، تلمستها حينما غفوت في ذلك اليوم البعيد أقرأ قصتك المميزة (قيلولة يوم الثلاثاء)، غفوتي حملتني إلى رؤياي الوحيدة التي رأيتك فيها، يومها كنت مريضا، داؤك السرطان الليمفاوي، وأدخلت المستشفى، فأخبرتك في المنام أنك ستشفى لو كتبت رواية جديدة، وبالفعل كان، فقرأ العالم رواية حب جديدة، حاولت فيها تجاوز وطأة (الحب في زمن الكوليرا)، وسحر (غانياتي الحزينات)، وإخبارنا كلنا أن القلب لا يشيخ إلا إذا فقد القدرة على الحب، هذه اللوعة سبق لدوستوفسكي أن جربها قبلك، وسماها اسما يليق بها هو (الجحيم).. هل لي أن أستسمحك، أنا قارئك البعيد الذي لا تعرفه، كهل مغمور لا يثير أي انتباه، منطو على ذاته، منكفئ على أحلامه، مقاوم لموته بكتابة حكايات سرعان ما يمل منها فيمزقها، أو يداويها بالنار، كنت ذات يوم مسكونا بأحلام مشوبة بالغرور، فعلمتني سيرتك التواضع، التواضع أمام البسطاء، والاستحمام بشمسهم الاستثنائية، شمسهم التي تداوي كل داء، فقط يلزمك التواضع وقليل من الصمت.. "لو شاء ربي أن يهبني حياة أخرى، فسأرتدي ملابس بسيطة وأستلقي على الأرض، ليس فقط عاري الجسد وإنما عاري الروح أيضاً". هل لي أن أستسمحك لأخبرك أنك فعلا -كما قلت في وصيتك الأخيرة- قد برهنت "للناس كم يخطئون عندما يعتقدون أنهم لن يكونوا عشاقاً متى شاخوا، دون أن يدروا أنهم يشيخون إذا توقفوا عن العشق" وأنك قبل أن تكتب كلمتك الأخيرة كنت قد "أعطيت للطفل الأجنحة وتركته يتعلم التحليق وحده" وعلمتنا أن "الموت لا يأتي مع الشيخوخة بل بفعل النسيان".
هل لي أن أستسمحك، لأخبرك أن الرغبة في قراءة رواياتك، وخاصة سيرتك الذاتية (Vivir para contarla) كانت السبب الرئيس في حملي على الشروع في تعلم لغتك التي تكتب بها، الإسبانية الأمريكو لاتينية وتوابلها الحريفة.
في الأخير وقبل أن أترك عند قبرك بضع فراشات صفراء ترفرف حوله بأجنحتها الصغيرة، أخبرك أن كونديرا فضح السر حين أخبرنا بلغة فرنسية حزينة أن "الذكرى شكل للنسيان". ها أنا أعود لقصتك (يوم من تلك الأيام) لأستعيد روحك حية، روحا تغلبت على سطوة الموت، روحا ستبني عشها الجديد بين كلماتك بعيدا عن جسدك، ها أنا قد كتبت، وواجهت بالكلمات حزن الفقد، وفجيعة الموت المعلن.

نشرت في يومية النصر الجزائرية يوم: 22 أفريل 2014

هناك تعليقان (2):