الخميس، 15 أبريل 2010

لم يعد أي حديث يجد

بالأمس لم يكن لدي الوقت حتى أن أبتدئ الحكاية، فبعد مكالمة صديقي التي قطعت حبل أفكاري، كان علي أن أتجول قليلا في المدينة، فسحر الربيع يحتاج أيضا إلى وقفة تأمل، وإلى نفس عميق..
التقيت بأحد النقاد، شربنا سويا كأس شاي، تحدثنا عن النقد، عن الكتابة، عن الإبداع، سألني عن السر في سحنتي الحزينة، تجنبته بلباقة، وحولته إلى حديث طويل عن الراحلين بختي بن عودة، وعبدالكبير الخطيبي..
كان الحديث ممتعا حقا، وخاصة حين جئنا على ذكر "الذاكرة الموشومة" ذاك الكتاب الذي أعود إليه دائما من الحين إلى الآخر، كما يعود الفلاح المتعب إلى ظل شجرة وارفة، يتصدى لنسيمها، ويعب جرعات ماء، ينقع بها ظمأه..
فجأة عاودتني ذكراها واختلطت في خاطري بعبارة الخطيبي "لاشفاء ممكنا إلا في كتابة مبينة"، فحاولت تقليص زمن الحديث مع الناقد، لأتفرغ لخاطري، حييته ، وانصرفت.. متأبطا ذكراها على حافة قلب متعب، سرت باتجاه الشمال، صادفني مقر البريد، تذكرت أنني منذ أسبوع كنت هنا أرسل لها في مظروف أصفر كتابا، لنقرأه سويا.. لقد قررنا حينها وحينما أكملنا رواية غادة السمان، أن نقرأ لأديب جزائري، فوقع اختيارنا على مولود فرعون، كان اختيارا قدريا، فقد كان في ذكرى اغتياله أي يوم 15 مارس، كنا نريد أن نقول الحب بلغة مختلفة، ووقع اختيارنا على الفرنسية.. قالت عنها أنها تحسها تحكي الحب بهمسة رقيقة، وافقتها وأرسلت لها نسخة من الرواية.. لكن خاطرا آخر اعترضني ليدخلني البريد، فأجد نفسي أحدق إلى داخل صندوقي البريدي باستغراب، فقد كان مظروف أصفر يملؤه، في البداية ساء ظني لأني اعتقدت أن الرواية التي أرسلتها الأسبوع الماضي عادت إلي، لكنني حينما استخرجت المظروف بعنف نوعا ما، تبين لي غير ذلك ، فقد كان المظروف مرسلا من طرفها، و لتعاسة هذا القدر الذي يسيجني ويسيجها، فقد كان في صبيحة اليوم الذي افترقنا فيه، أحيانا نكون بصدد البناء لكننا لا نشعر أننا نهدم، وربما العكس صحيح، هكذا حدثت نفسي متألما، متذكرا في ذات الوقت عبارة موليير"القدر يسخر من الاحتمالات".. نعم تأبطت حزني مرة أخرى وبمعيته مظروف شاهد على مدى تفاهتي، وخذلاني لمن أحب، ومدى أنانيتي.. هكذا أحسستني.. ومازلت..
كان بالمظروف كتابان باللغة الفرنسية، سيظلان ذكراها الأثيرة لدي، وسيظلان إلى جانبي ما حييت.. الأول عنوانه "هؤلاء اختاروا الليل" Ils ont choisi la nuit للروائي الفرنسي جان ماري روار و الآخر قصة أطفال قديمة تحمل عنوان: رقصة السحرة la dance des sorciers .. تأملت في العنوان الأول، فإذا هو يشي بأنني وإياها اخترنا الظلام، وهربنا من الضوء، اخترنا الفشل والضياع، اخترنا الألم، اخترنا الليل..
لم يعد أي حديث يجد، فقد غابت شمسي..


الجلفة يوم: 10/ 40/ 2010م
عبدالقادر حميدة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق